الأسرة وتكنولوجيا المعلومات .. من ينتصر؟
صفحة 1 من اصل 1
الأسرة وتكنولوجيا المعلومات .. من ينتصر؟
د. عمار بكار
للتكنولوجيا آثار عميقة في حياتنا وفي المجتمع، وهذا أصبح حقيقة لا جدال فيها، وتقوم حولها مئات الدراسات العلمية، وهو الأمر الذي تحدثت عنه الأسبوع الماضي وتحدثت عن الإهمال العربي الغريب لهذا الموضوع. أحد أهم جوانب تأثير التكنولوجيا في حياتنا هو الأسرة من حيث قيمها والعلاقات بين أفرادها ووظائف كل فرد في تركيبة الأسرة وحياتها اليومية.
عندما نتحدث في العالم العربي عن أثر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الأسرة فإن أول ما يخطر على بالنا هو تأثير القنوات الفضائية في القيم الأسرية، وهو موضوع بدأ في أواخر الثمانينيات عندما بدأ الحديث عن أخطار ما سمي «البث المباشر», الذي تترجم لاحقا بشكل تدريجي من خلال القنوات الفضائية بأنواعها. لقد كانت هناك مبالغة كبيرة في تقدير الآثار السلبية للقنوات الفضائية في القيم الأسرية المحافظة، ولكنها في النهاية حقيقة لا يمكن إنكارها, أن الأسرة العربية التي بقيت لفترة طويلة تمضي دون تغييرات وبشكل لا يجاري التغيرات التي يفرضها العصر الحديث، هذه الأسرة صدمت لما بدأت ترى العالم على مصراعيه من خلال شاشة التلفزيون وأصيبت بالدهشة والارتباك وردود الأفعال العشوائية.
من جهة أخرى، كان هناك اعتقاد خاطئ بأن الأسرة العربية هي أسرة محافظة ومتماسكة، بينما ظهر في الحقيقة أن هذه القيم كانت هشة وغير مبنية على قناعات راسخة، وتعرضت للانهيار أو الخلخلة بمجرد وصول الضيف التكنولوجي المتمثل في القنوات الفضائية والإنترنت.
بالنسبة إلى الغربيين, فإن تأثيرات التكنولوجيا في الأسرة تمثلت في ثلاثة اتجاهات رئيسية، وهي اتجاهات تنطبق أيضا على الأسرة العربية «الحديثة»:
الأول: أن وجود الكمبيوتر في البيت حوّل المنزل في النهاية إلى مكان عمل آخر، لأن الشخص صار من خلال اللابتوب أو البلاكبيري أو الإنترنت يمارس كثيرا من مهام عمله من المنزل، والأمر نفسه حصل مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الكمبيوتر والموبايل حيث صار فرد الأسرة يجلس في بيته بينما هو في تواصل مع عالم كامل خارج المنزل وعلى مدار الساعة من خلال الموبايل والرسائل القصيرة ومواقع التشبيك الاجتماعي والمسنجر والإيميل وغيره. هذا أضعف من دور البيت في جمع الأسرة في نشاطات مشتركة وحوله إلى مكان يوجد فيه أفراد الأسرة بأجسادهم بينما اهتماماتهم وأنشطتهم تقع في مكان آخر تماما.
الثاني: أن هناك أسرا متوزعة في عدة بيوت داخل المدينة الواحدة أو عدة مدن أو دول، وهذا واقع عالمي لا يختلف فيه شعب عن آخر في حياتنا اليوم. تكنولوجيا الاتصالات أسهمت بشكل غير عادي, خاصة في السنوات الأخيرة مع انخفاض تكلفة اتصالات الجوال ووجود المسنجر والاتصال المرئي عبر الموبايل والكمبيوتر وغيرها في علاقات أكثر كثافة بين أفراد الأسرة وتقارب أفضل، وجاء هذا متزامنا أيضا مع انخفاض تكاليف السفر، الذي أسهم بمجموعه في مزيد من الترابط ضمن الأسرة.
من جهة أخرى، تقول بعض الدراسات الغربية إن هذا الأمر لم يزد كثيرا من «الحميمية» بين أفراد الأسرة، بمعنى أن الأخ الذي ليس لديه استعداد للتنازل عن شيء من ماله لمساعدة أخيه أو أخته، أو الشخص الذي لا يريد لوالدته أن تشارك في صنع قرارات حياته، أو الأب الذي لا يريد إعطاء أبنائه الثقة لإدارة حياتهم وغيرها من القضايا المرتبطة بالعلاقات الأسرية لم تتغير كثيرا بشكل إيجابي مع زيادة التواصل التكنولوجي، والذي لم يؤد في النهاية لمزيد من «التماسك» الأسري الفعلي بل فقط لكثافة أعلى في التواصل.
البعد الثالث من أبعاد تأثير التكنولوجيا في الأسرة أن الطفل والمراهق كان في السابق يتربى بتأثير كبير من الأسرة والمدرسة مع بعض التأثيرات من الأصدقاء والتي يمكن توجيهها في حال تعاونت الأسرة والمدرسة على ذلك. في عصر تكنولوجيا المعلومات تغير هذا الوضع بشكل خرج عن السيطرة وصار مثيرا للحيرة وبلا حل تقريبا، وهو أن تربية الأطفال صار فيها شريك ثالث وهو جهاز الكمبيوتر والإنترنت واليوتيوب والفيسبوك والمسنجر والقنوات الفضائية، وصار الطفل والمراهق يتعرضان لكمية هائلة من المعلومات والرسائل التي تصنع منه شخصا آخر، فيه كثير من الفوضى الداخلية بسبب تعارض هذه الرسائل مع بعضها، وفيه كثير من التحرر ورفض القواعد والتعليمات، وفيه القليل من احترام الأسرة والمدرسة كمصدر للحكمة والتوجيه الصحيح.
ما الحل؟
أغبى الحلول طبعا أن نطلب من الناس مقاطعة التكنولوجيا والتلفزيون والموبايل والإنترنت لأنه حل مستحيل في النهاية ويشبه من ينزل في عكس اتجاه سلم كهربائي صاعد. الحل أن ندرس ونبحث ونراقب آثار التكنولوجيا في حياتنا ونصل إلى معلومات أكيدة عما يحصل، وبعدها سيمكننا دخول مرحلة البحث عن حلول.
بكل أسف، التكنولوجيا أقوى من الأسرة!
للتكنولوجيا آثار عميقة في حياتنا وفي المجتمع، وهذا أصبح حقيقة لا جدال فيها، وتقوم حولها مئات الدراسات العلمية، وهو الأمر الذي تحدثت عنه الأسبوع الماضي وتحدثت عن الإهمال العربي الغريب لهذا الموضوع. أحد أهم جوانب تأثير التكنولوجيا في حياتنا هو الأسرة من حيث قيمها والعلاقات بين أفرادها ووظائف كل فرد في تركيبة الأسرة وحياتها اليومية.
عندما نتحدث في العالم العربي عن أثر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الأسرة فإن أول ما يخطر على بالنا هو تأثير القنوات الفضائية في القيم الأسرية، وهو موضوع بدأ في أواخر الثمانينيات عندما بدأ الحديث عن أخطار ما سمي «البث المباشر», الذي تترجم لاحقا بشكل تدريجي من خلال القنوات الفضائية بأنواعها. لقد كانت هناك مبالغة كبيرة في تقدير الآثار السلبية للقنوات الفضائية في القيم الأسرية المحافظة، ولكنها في النهاية حقيقة لا يمكن إنكارها, أن الأسرة العربية التي بقيت لفترة طويلة تمضي دون تغييرات وبشكل لا يجاري التغيرات التي يفرضها العصر الحديث، هذه الأسرة صدمت لما بدأت ترى العالم على مصراعيه من خلال شاشة التلفزيون وأصيبت بالدهشة والارتباك وردود الأفعال العشوائية.
من جهة أخرى، كان هناك اعتقاد خاطئ بأن الأسرة العربية هي أسرة محافظة ومتماسكة، بينما ظهر في الحقيقة أن هذه القيم كانت هشة وغير مبنية على قناعات راسخة، وتعرضت للانهيار أو الخلخلة بمجرد وصول الضيف التكنولوجي المتمثل في القنوات الفضائية والإنترنت.
بالنسبة إلى الغربيين, فإن تأثيرات التكنولوجيا في الأسرة تمثلت في ثلاثة اتجاهات رئيسية، وهي اتجاهات تنطبق أيضا على الأسرة العربية «الحديثة»:
الأول: أن وجود الكمبيوتر في البيت حوّل المنزل في النهاية إلى مكان عمل آخر، لأن الشخص صار من خلال اللابتوب أو البلاكبيري أو الإنترنت يمارس كثيرا من مهام عمله من المنزل، والأمر نفسه حصل مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الكمبيوتر والموبايل حيث صار فرد الأسرة يجلس في بيته بينما هو في تواصل مع عالم كامل خارج المنزل وعلى مدار الساعة من خلال الموبايل والرسائل القصيرة ومواقع التشبيك الاجتماعي والمسنجر والإيميل وغيره. هذا أضعف من دور البيت في جمع الأسرة في نشاطات مشتركة وحوله إلى مكان يوجد فيه أفراد الأسرة بأجسادهم بينما اهتماماتهم وأنشطتهم تقع في مكان آخر تماما.
الثاني: أن هناك أسرا متوزعة في عدة بيوت داخل المدينة الواحدة أو عدة مدن أو دول، وهذا واقع عالمي لا يختلف فيه شعب عن آخر في حياتنا اليوم. تكنولوجيا الاتصالات أسهمت بشكل غير عادي, خاصة في السنوات الأخيرة مع انخفاض تكلفة اتصالات الجوال ووجود المسنجر والاتصال المرئي عبر الموبايل والكمبيوتر وغيرها في علاقات أكثر كثافة بين أفراد الأسرة وتقارب أفضل، وجاء هذا متزامنا أيضا مع انخفاض تكاليف السفر، الذي أسهم بمجموعه في مزيد من الترابط ضمن الأسرة.
من جهة أخرى، تقول بعض الدراسات الغربية إن هذا الأمر لم يزد كثيرا من «الحميمية» بين أفراد الأسرة، بمعنى أن الأخ الذي ليس لديه استعداد للتنازل عن شيء من ماله لمساعدة أخيه أو أخته، أو الشخص الذي لا يريد لوالدته أن تشارك في صنع قرارات حياته، أو الأب الذي لا يريد إعطاء أبنائه الثقة لإدارة حياتهم وغيرها من القضايا المرتبطة بالعلاقات الأسرية لم تتغير كثيرا بشكل إيجابي مع زيادة التواصل التكنولوجي، والذي لم يؤد في النهاية لمزيد من «التماسك» الأسري الفعلي بل فقط لكثافة أعلى في التواصل.
البعد الثالث من أبعاد تأثير التكنولوجيا في الأسرة أن الطفل والمراهق كان في السابق يتربى بتأثير كبير من الأسرة والمدرسة مع بعض التأثيرات من الأصدقاء والتي يمكن توجيهها في حال تعاونت الأسرة والمدرسة على ذلك. في عصر تكنولوجيا المعلومات تغير هذا الوضع بشكل خرج عن السيطرة وصار مثيرا للحيرة وبلا حل تقريبا، وهو أن تربية الأطفال صار فيها شريك ثالث وهو جهاز الكمبيوتر والإنترنت واليوتيوب والفيسبوك والمسنجر والقنوات الفضائية، وصار الطفل والمراهق يتعرضان لكمية هائلة من المعلومات والرسائل التي تصنع منه شخصا آخر، فيه كثير من الفوضى الداخلية بسبب تعارض هذه الرسائل مع بعضها، وفيه كثير من التحرر ورفض القواعد والتعليمات، وفيه القليل من احترام الأسرة والمدرسة كمصدر للحكمة والتوجيه الصحيح.
ما الحل؟
أغبى الحلول طبعا أن نطلب من الناس مقاطعة التكنولوجيا والتلفزيون والموبايل والإنترنت لأنه حل مستحيل في النهاية ويشبه من ينزل في عكس اتجاه سلم كهربائي صاعد. الحل أن ندرس ونبحث ونراقب آثار التكنولوجيا في حياتنا ونصل إلى معلومات أكيدة عما يحصل، وبعدها سيمكننا دخول مرحلة البحث عن حلول.
بكل أسف، التكنولوجيا أقوى من الأسرة!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى